فرضت الطائرات الانتحارية نفسها في الآونة الأخيرة، سلاحاً فعالَّاً متعدد المهام، وسعت الدول وحتَّى الجماعات المسلحة لامتلاكها، لأهميتها في توجيه ضربات موجعة للعدو بتكلفة منخفضة، إذ اختصرت متغيرات كثيرة في الحروب، مثل التكلفة البشرية والمادية، والزمان والمكان، ومفهوم القوة، علاوة على أنها وفرت تسهيلات مختلفة لكلِّ من تقع في قبضته هذه التقنية، كما أنَّها لعبت دورًا بارزًا ومتنوعاً في كثيرٍ من الحروب، وحفَّزت الدول على تصنيعها أو الحصول عليها.
شكَّلت المسيرات نقلة نوعية كسلاح متعدد الاستخدامات، إذ حلَّ محلَّ الصواريخ المضادة للدروع بتكلفة أقل بعشرات المرات، وأصبح ينافس سلاح القنص في استهدافه ودقة إصابته وبات قادراً على أخذ مزايا الألغام والعبوات الناسفة، مع امتيازات لن تجدها في سلاح الألغام.
فالأثر الذي خلقته “الدرونات المسلحة” في الحروب، يمكن القول: إنها ثورة مماثلة لدخول الدبابات في الحروب السابقة، توفر الدرونات مزايا إستراتيجية، مثل القدرة على الهجوم عن بعد دون تعريض الجنود للخطر مباشرة، وتوفير معلومات استخباراتية دقيقة، وقدرة على شنِّ ضربات دقيقة ومدمرة.
لقد أضحت المنافسة على تصنيع الأسلحة عبر التوجيه من بعيد، جزءًا من مستقبل الحروب، وذلك نظرًا للتطور المستمر في التكنولوجيا والطلب المتزايد عليها، فتكلفتها زهيدة مقارنة بغيرها من الأسلحة التي تقوم بتدميرها، فقد بدأ جيل جديد رخيص وذو فعالية تدميرية يظهر على ميدان الحرب في أوكرانيا، وهي طائرات من طراز “FPV” والتي عادة ما تستخدم لأغراض الترفيه ولكن كان للأوكرانيين أغراض أخرى، فقد بات هذا السلاح ركيزةً أساسيَّةً بيد الأوكران ومدعوماً من قبل القادة، وكبد الروس خسائر فادحة، فقد بات الصراع مؤخراً يحمل طابعاً مرعباً للسلاح الجديد، وما تظهره المقاطع المرئية التي تبث من ميدان المعركة، أوضحُ دليلٍ على أن مستقبل الحروب سيكون أشدُّ دمـ ـويَّةً وعنفاً.
يُتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على الحروب المستقبلية، حيث يمكن استخدامه في تحليل البيانات الاستخباراتية، وتطوير أنظمة سلاح ذكية، وتشغيل الأسلحة بشكل أكثر دقة وفعالية، ففي عام 2021 أصدرت لجنة الأمن القومي الأميركي للذكاء الإصطناعي تقريرها للحكومة، الذي أوضحت فيه أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب سيشكل ثورةً تقنيةً تتخطى في أثرها اكتشاف كل من البارود والسلاح النووي، وأوصت اللجنة بمضاعفة الاستثمار في البحث العلمي في هذا النطاق عاماً بعد عام، لترتفع قيمته من 1.5 مليار دولار الآن إلى 32 مليار، بحلول عام 2026، التقرير لا يبالغ في شيء بوجود الدرون الانتحاري وإدماج الذكاء الاصطناعي فيها، سنكون مستقبلاً في مواجهة شيء لا يمكن لأحد إيقافه.
وبالرغم من التقدم التكنولوجي الكبير، فإن الأسلحة التقليدية مثل الدبابات والمدرعات لا تزال لها أهمية كبيرة في وجه التهديدات العسكرية المعاصرة، خاصة في المعارك التقليدية والمواجهات البرية، فلكل سلاح أهميته وميزاته واستخدامته حسب الظروف المناسبة.
هذا ولا يزال التصدي للطائرات الانتحارية -خاصَّةً الصغيرةَ منها- يواجه تحدياتٍ مختلفة، منها: تعذر كشفها أو رؤيتها بواسطة العين المجردة، إذ أنَّ رادارات الدفاع الجوي مصممة أساساً للطائرات الكبيرة، أضف إلى ذلك التكلفة الباهظة التي تتطلبها أنظمة التصدي عند اللجوء إليها، فمثلاً أنظمة “باتريوت” يكلف الصاروخ الواحد منها مليون دولار، في حين قد تبلغ قيمة الطائرة الانتحارية نحو 500 دولار، وكذلك نتائج التصدي لهذه الطائرات على المناطق الحضرية، لا سيما أنها مزودة بالمتفجرات.
وأما رسالتي في هذا المجال فهي أهمية الاستثمار في البحث، لتطوير تكنولوجيا الدفاع والأمن، وضمان التوازن بين التقنيات الحديثة والأسلحة التقليدية لضمان القدرة على التصدي للتهديدات المختلفة بفعالية وكفاءة، فقد رأينا مؤخرًا اعتماد ميليشيا أسد على هذه الطائرات في استهداف المناطق المحررة، فلا بد من التطوير والبحث وبذل الجهد للتصدي لهذه الطائرات بالتزامن مع العمل الحثيث لاختراع طائرة انتحارية تكون رقماً صعباً بيد الفصائل الثورية.
وللإحاطة بتفاصيل وأساليب الوقاية من الطائرات المسيرة الانتحارية نرفق لكم تعميماً هاماً لغرفة عمليات الفتح المبين لأهلنا في الشمال المحرر بخصوص الطائرات الانتحارية، وبعض التوصيات للوقاية من خطرها: