تخطت مآسي السوريين ونكباتهم وأزماتهم حواجز القهر، والتحمل البشري، بل وأوجعت كل من يحمل بقايا ضمير وإنسانية، فالجرائم التي ارتكبها بشار الأسد وزبانيته بحق الشعب الذي طلب حريته وكرامته وأراد الدفاع عن دينه وعرضه وماله لا يمكن تصور وقوعها في هذا العصر.
قصص “واقعية” وليست من نسج الخيال، تلك التي يرويها بعض المفرج عنهم من سجون بشار الأسد، بعد أن عادوا إلى ذويهم وأهليهم.
ومن أعجب هذه القصص ما يرويه “حسان” من حي “باب السباع” الحمصي.
الذي لم يكتفِ السجان بترك آثاره النفسية على حياة هذا الشاب الذي بقي عاماً ونصف بعد الخروج من معتقله لا يغادر المنزل ولا يكلم أحداً، بل إن إحدى عينيه لا تزال تحكي معاناتها بعدما أصر السجان على إخماد سجائره فيها.
يحكي حسان قصته قائلاً: كان ذنبي أنني من حي باب سباع، لذلك اعتقلت من أحد شوارع مدينة حمص.
ورغم أن مدة اعتقاله لم تتجاوز الشهر، إلا أن ذلك الشهر حسب “حسان” كان كألف سنة.
يقول حسان: أخذوني إلى فرع الأمن العسكري في حمص، وهناك تعرضت للتعذيب النفسي والجسدي.
يحبس “حسان” أنفاسه قبل أن يتحدث عن تفاصيل ما تعرض له، ثم يطلق زفيراً محملاً بالقهر ويقول: فور دخولي إلى الفرع، “طمشوا” عيني و”شبحوني” ثلاثة أيام متواصلة حتى قبل أن يحققوا معي أو أن يسألوني عن اسمي أو عن أي شيء.
ذكر “حسان” أن فنون التعذيب التي طُبقت على جسده، كانت أرحم عليه من رؤيته للشاب محمد حاتمة، الذي أكل الدود جسده بعدما التهبت جروحه، ورماه العناصر بين المعتقلين في الزنزانة التي تغص بأضعاف ما تتسع من بشر.
يقول حسان: عندما دخلت إلى المعتقل كان محمد مرمياً هناك، وكان المعتقلون يحاولون مساعدته من خلال إفساح المجال له كي يتنفس، وإمداده بالماء، ومساعدته على النهوض للذهاب إلى التحقيق، فجروح محمد المتعفنة لم تعفه من التحقيق.
ويضيف: كل ما كنا نستطيع فعله لمحمد هو مسح جروحه بقماش نقطعه من ثيابنا كما ونسقيه القليل من الماء.
وأخيراً استجاب الله لدعاء المعتقلين بالرحمة لمحمد، الذي سقط شهيداً بعدما ضاقت الزنزانة بتأوهاته وجروحه، إلا أن عناصر الأمن -حسب “حسان”- لم يأخذوا جثته، إنما تركوها تتآكل في الزنزانة بين المعتقلين، الذين لم يجدوا سوى أن يزيحوها نحو الحمام كي يتمكنوا من النوم مكانها!
ويوضح “حسان”، أنه غادر المعتقل قبل أن يأخذ الأمن جثة “محمد” ، وأنه أخبر عائلة الشهيد بأن ابنهم استشهد تحت التعذيب.
بعد اتفاقات بين “كبار” حارة “حسان” وضباط الأمن العسكري، أُخلي سراح “حسان” مقابل فدية وصلت إلى المليون ونصف تقريباً، إلا أن خروجه من السجن لا يعني أنه صار حراً، فحسان خرج بعاهات جسدية ونفسية، إذ يقول: فور خروجي من المعتقل غادرت إلى لبنان ومنها إلى مصر، بقيت عاماً ونصف لا أغادر المنزل ولا أكلم أحداً، فجثة “محمد” المتعفنة وعيناه المشوهتان كانتا تعكران علي ساعات النهار، وتمنعانني من النوم ليلاً.
ويتابع: لا أستطيع وصف كل ما شاهدته في المعتقل، فالكلمات لا تتسع للوصف.. أحد الشبان كان في جسده 7 رصاصات وكانوا مع ذلك يحققون معه وظلوا يعذبونه حتى استشهد.
وبحسب “حسان”، فإن الطبيب المتطوع “أمين حلواني” المسؤول عن حي “الحمرا” في حمص، كان يهتم بصحة المعتقلين فور خروجهم من المعتقل، وهو أيضاً كان يتفاوض مع النظام لإخراج المعتقلين.
ويضيف “حسان”: كان الطبيب حلواني يجري مفاوضات إنسانية مع ميليشيات الأسد، أما المفاوضات المالية فكان لكل رئيس فرع مفتاح يتفاوض معه أهل المعتقل، ويضرب “حسان” مثالاً أن مفتاح رئيس فرع أمن الدولة السابق، كان ابنه عبدو أيوب، الذي كان يجلس مساءً في المقهى ويجري المفاوضات مع أهالي المعتقلين.
ويقيم “حسان” في تركيا حالياً، حيث استعاد كثيرا من صحته الجسدية والنفسية -بفضل الله تعالى- فهو اليوم يخرج من المنزل ويتكلم مع أسرته وأصدقائه، إلا أن عينه المحروقة لا تزال تذكره بما حدث خلال الشهر الذي قضاه بين أيدي مجرمي ميليشيا الأمن العسكري.