علمتني الحياة أن الرجال العظام ليسوا في القصص القديمة فحسب، بل لكل زمان رجاله، ومن أولئك الرجال شاب جلست معه مرتين فقط لألمس فيه ذاك الرجل الغيور والمحافظ ولأعلم أن الثورة السورية حقا صنعت أبطالا يستحقون أن تخلد الكتب مآثرهم.
إنه الشهيد -بإذن الله- معاوية “أبو يونس حماة” كما أحب أن يطلق عليه، فمعاوية هو ابن بلدة خطاب بالريف الحموي الذي قدم الكثير من أبنائه في هذه الثورة المباركة، وأبو يونس كغيره من أبناء بلده هبَّ لرفع الظلم عن الشعب السوري وخرج ليذب عن أعراض المسلمين، فكان نفيره إلى الجهاد عام 2017 وكان حينها شابا في مقتبل العمر.
لم يكن هدف معاوية الجهاد في سبيل الله ودفع الظلم والأذى عن المناطق المحررة فحسب، بل كان كثيرا ما يحدث أصدقاءه ورفاقه عن الجنة وفضل الشهادة، فكان يدعو الله في صلاته وفي سجوده أن يرزقه الشهادة في سبيله.
كان نشيطا وفطنا وذا رأي ولم يكن رجلا عاديا فكان أمير إحدى مجموعات الاقتحام في “العصائب الحمراء” المعروفة بقدرتها القتالية العالية، بل كان من أفضل الأمراء، وعرف بتواضعه وحسن معاملته وأخلاقه الحسنة، حتى أن بعض رفاقه حدثوني أنه كان ناصحا وداعية ناجحا فكان يغتنم كل فرصة للتذكير بالله والهدف من وراء نفيرهم.
أبو يونس رجل مقدام هكذا وصفه أحدهم فقال لي: إنه دائما ما كان يحرص على الدخول في العمليات النوعية وفي الصف الأول، وكنا نتعجب من شجاعته فلم يعرف الخوف إلى قلبه سبيلا الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على رفاقه أثناء العمليات النوعية.
أروي لكم هذه القصة وما زالت ابتسامات أبو يونس أمام ناظري كأنها حية متوقدة، ما زلت أذكر أول لقاء لي به عندما أحضر شبانا من أبناء بلدته إلى مكتبي في إحدى شعب التجنيد، فكان ودودا ولطيفا وخلوقا ودائم الابتسامة، التقيت به مرتين وفي كل مرة كان يحضر أشخاصا جددا لينضموا للثائرين المدافعين عن أعراضهم، وكان صاحب رسالة وهمة فلم يكتف بالجهاد لوحده بل أراد أن ينقذ هذا الجيل النائم والمغيب عما يحاك لبلاده ودينه وأمته، عندما كنت أراه أحسبه شعلة متقدة يملؤها النور والغيرة والجد والمثابرة.
أبو يونس رجل قل نظيره كان كلامه عن الدنيا قليل فجل كلامه عن الشهادة ومنازل الشهداء والجنة والرعيل الأول وهموم الناس، كان طالبا للشهادة ويسأل الناس أن يدعو الله له بها، حتى نال ما تمنى في إحدى العمليات الانغماسية الأخيرة على مواقع عصابات الأسد.
لم أفاجأ بنبأ استشهاده مقبلا غير مدبر في الصف الأول فأبو يونس، أعد العدة لذلك الأمر وكان ينتظره ويطلبه ويسأل الله في قيام الليل تلك المنزلة وكان له ما تمناه، ذاك ليس رجلا من صدر الإسلام أو من عصور الفتوحات بل هو رجل عاش بيننا وتميز بصدقه مع الله ومعرفة هدفه وغاية وجوده فبلغ منازل الأبطال، والأمة لا تموت وستبقى تنجب مثل هؤلاء الأبطال الذين يستبشر بهم خيرا، فالنصر قادم بمثل هؤلاء الذين بذلوا دماءهم رخيصة في سبيل الله أولا، وحماية لأعراضهم وبلادهم ثانيا.
وكتبها “أبو السعد” أحد إخوته في درب الجهاد