انتصار الثورة هدف لا تراجع عنه…
أكثر من اثني عشر عاما مضت على تلك اللحظة التي قرر فيها أطفال من جنوب سوريا، إشعال جذوة انتفاضة شعبية بدأت بكلماتٍ على جدران المدرسة، ولم يستطعِ العالم إطفاءها وبعد ذلك تعالت الأصوات التي آمنت بالثَّورة كما لو كانت عقيدة جديدة لا نهائيَّة، يبدع الشعب السوري من خلالها، تغيير كبير ينبع من بين ظهرانيه، ونقل الأحلام البسيطة والكريمة من كونها محض مطالب، إلى شكلِ حياةٍ لائقٍ يقارب الحياة في بلدان أُخرى قريبة أو بعيدة.
لمَّا تنتصر لكنها لن تهزم -بإذن الله-
معلومٌ ومُجَرَّبٌ في التاريخ أنَّ الثورات لا تهزم، ولا تنتهي ما دامت أسبابها قائمة، قد تضعف أو تتراجع، كما تراجعت الثورة السورية في بعض المناطق، لكن أسباب الثورة تضاعفت، ولم تضعف.
الثورة السورية التي لم تبدأ في عام 2011م يقينًا إذا ما أردنا أن نقرأها في سياقها التاريخي.
بل بدأت منذ اللحظة الأولى التي اختطفت فيها عائلة أسد سورية، وجعلت منها مزرعةً طائفيَّةً، بل عائلية خاصة بأسرة المقبور حافظ الأسد.
وخلال كل تلك العقودِ من السنين، هي لم تُهزم لأنَّها ما زالت فكرة تعيش في قلوب وعقول الملايين ممن دفعوا أبهظ الأثمان في سبيلها.
بهذا المفهوم الأصح للثورة السورية، لن يستطيع أحد أن يوقف موجاتها، أو أن يمحوها من تاريخ البشرية المضيء للحرية والعدالة.
لـمـن حـديث الـهزيمة ؟
لا شك أن من كان مهزوما من داخله هو الذي يستسلم للهزيمة بسهولة، ويرضى بالتطبيع مع النظام المجـ ـرم مقابل الفتات.
فالشعب السوري، وخاصة هذا الجيل الذي نشأ في المخيمات والملاجئ، هذا الجيل الجديد الذي يعاني الآن في الوصول إلى أبسط حقوقه ومنها الحصول على لقمة العيش داخل البلاد، لن يرضى إلا بتحقيق إلى الأهداف التي ضحى من أجلها وهي الحرية والعدالة والكرامة.
شلالُ الدَّم إكسير حياة الثورة
شلال الدم هو إكسير الحياة بالنسبة إلى الشعوب، هو إكسير الحياة لهذه الثورة التي مهما مر بها من تغيير ديمغرافي، ومن تغريبة تخطت التغريبة الفلسطينية، ومن تخلٍّ دولي، كانت بالفعل ثورة لكل العرب وباسم العرب ونيابة عن كل العرب، ولذلك هي مفصلية لأن من يغير وجه سورية يغير وجه الإقليم.
وهذا السُّوري الذي عانى في البحار وفي المنافي والذي يعاني دوماً، وهذه الأم، أم الشهيد، أم الشهيدة، المغتصبة في المعتقلات، المعتقلون، والمعوقون، المعوقات، نحن أمام بحر من المعاناة، أمام مسلسل قتل للإنسانية، كيف يمكن أن يقال وبأي حق أنَّ ثورة كهذه وتضحيات كهذه يمكن أن تُهزم ؟!!
الثورة السورية ثورة التنمية والمساواة
الثورة السورية من أنبل الثورات، خرجت من رحم الفقر والموت، وتجرأت على نظام وحشي، نرى اليوم كم كان مدعوماً من الأعداء ومن الأصدقاء. وحشيته أضحت مثلاً بشعًا في ضمير العالم لحاكم، قتل وشرَّد شعباً كاملاً، فاق “نيرون روما” جُرماً بكثير.
لأنَّها على الرغم من عنف النظام المجـ ـرم خرجت سلمية، تنبذ العنف، فهي ثورة بامتياز.
لأنَّها نادت بالمساواة والحرية والكرامة فهي ثورة بامتياز.
لأنَّها لم تعبر عن نفسها بانفجارات طائفية، لنظام مارس الطائفية المتوحشة المتسربلة بلبوس العلمانية، فهي ثورة بامتياز.
لأنَّها لعنت الاستبداد وتلعنه كل يوم فهي ثورة بامتياز.
لأنها مزقت تأليه حكم المستبد، ونادت بألوهية بالله وحده رغم كيد الكائدين، فهي ثورة بامتياز.
لا يضيرها ما دُفِعَت إليه في بعض المتاهات، فمسار الثورات العظيمة كثيرًا ما شهد مثل ذلك، ثم استُكمِل الطريق.
إذا لم تكن هذه ثورة، فما الثورات؟!!!
وفي الختام، أدركت الحكومات المستبّدة أن انتصار الثورة السورية سينعش آمال الشعوب المقهورة في كل العالم للتحرر من العبودية، فاتفقوا على وأدها، منهم من فعل ذلك سرا ومنهم من جاهر به الشعب السوري الثائر يقاوم إرادة كل طغاة العالم مجتمعين، في أكبر ملحمة عرفها التاريخ، رغم التشويه والخذلان والتآمر.
فالثورة رصاصة انطلقت، وولادة حصلت، ووجودها يعني أنها لم تُهزم ولن تهزم. أتتعثر؟ ممكن، هل تمرض؟ ممكن، لكن مصيرها الحياة، وبمحض أن لها حياة فقد انتصرت.