لا تزال البادية السورية المعضلة الصعبة والخنجر المسموم في خاصرة عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية، فلا تمر أيام إلا وتمنى فيها بخسائر في الأرواح والعتاد، إثر تعرضها لهجمات وكمائن مباغتة.
أهميتها الإستراتيجية وثرواتها الباطنية
للبادية أهمية إستراتيجية فهي تضم العديد من حقول وآبار الغاز والنفط منها حقل شاعر وهو أكبر حقل للغاز في سوريا، كما تضم حقول الفوسفات، فمناجم السلسلة التدمرية وخصوصا خنيفيس والشرقة الخزان الأكثر أهمية وجدوى اقتصادية من هذه الثروات فقد كانت سوريا تحتل المرتبة ال5 عالميا على قائمة الدول المصدرة للفوسفات حتى عام 2011، كما تشكل البادية نحو نصف مساحة سوريا وتتوزع إداريا على محافظات دير الزور والرقة وحلب وحماة وحمص وريف دمشق والسويداء، وتنشط فلول تنظيم الدولة على محيط الطرقات التي تستخدمها العصابات والميليشيات التي تتخذ من مدينة تدمر مركزا رئيسا لها، فهي ذات أهمية إستراتيجية فائقة للميليشيات الإيرانية كونها تقع في منتصف الممر البري الآتي من إيران مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى لبنان، فيما تعد الملاذ الأخير لتنظيم الدولة منذ أن خسر آخر معاقله في شرق البلاد مطلع عام 2019 بريف دير الزور الشرقي، وتتحرك فلول التنظيم عبر البادية بشكل مريح مستفيدة من التضاريس الصعبة ومن معرفتها بطبيعتها الجغرافية كونها تسيطر عليها عمليا منذ عام 2015.
الميليشيات الطائفية تستغل انسحابات المحتل الروسي للتوسع في البادية
وسعت ميليشيات الحرس الثوري الإيراني مناطق سيطرتها في ريف حمص الشرقي -منذ منتصف العام الجاري- على حساب المحتل الروسي، فبعد انسحابه من “القريتين” ومستودعات “مهين” الإستراتيجية، تمركزت فيها ميليشيات الحرس الثوري الإيراني ولواء “فاطميون” بالإضافة لعدد من عناصر ميليشيا حزب إيران اللبناني.
إستراتيجيات جديدة لمواجهة الضربات الخاطفة
يعتمد المقاتلون الذين يستهدفون العصابات والميليشيات على تكتيكات “الكر والفر” أو “الذئاب المنفردة”، وتتحرك خلاياهم بشكل سريع ضمن مجموعات قليلة وعلى دراجات نارية ما يشل قدرة الطيران الروسي على استهدافهم، فلجأت الميليشيات الإيرانية لإستراتيجية جديدة لمواجهة هذه الأساليب، وذلك بتقسيم البادية إلى قطاعات بينها وبين عصابات الاسد فالميليشيات مسؤولة عن عمليات التمشيط البرية في حمص جنوب غرب مدينة تدمر، وأنشأت العديد من النقاط العسكرية التابعة لها في هذه المنطقة، وخاصة على طول الطريق الواصل بين مدينة تدمر وقرية مهين شرق حمص.
حملات فاشلة، لم تنفعهم في شيء
أعلنت عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية في أوائل شهر شباط من العام الفائت انطلاق عمليات التمشيط، فنفذتا -بدعم من طائرات المحتل الروسي- 6 حملات تمشيط واسعة على البادية خلال عام 2021، وكانت آخر حملة برعاية الفيلق الخامس المدعوم من روسيا في حزيران من العام الحالي، إلا أنها كلها باءت بالفشل، وتكبدت خلالها القوات المشاركة من مرتبات الفرقتين العسكريتين 11 و19 خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، فضلا عن تعرض مجموعات من ميليشيا “فاطميون” وحركة النجباء للاختطاف على يد مجهولين يعتقد انتماؤهم لتنظيم داعش، هذا وذكر مصدر إعلامي أن الميليشيات الإيرانية اعتقلت نحو 28 مسلحا محليا تابعا لها لرفضهم المشاركة في حملات التمشيط، بعد فشل الفرق المذكورة أقحمت عصابات الأسد “قوات النمر” التابعة للفرقة 25 التي يديرها المجرم “سهيل الحسن” -والتي تعد بمثابة “النخبة” عند العصابة- في تمشيط ريف حماة الشرقي، لكنها سرعان ما فشلت بإنهاء خطر المقاتلين هناك الذين استهدفوا عدة نقاط متقدمة على أوتوستراد “حماة – الرقة” بالقرب من خناصر.
ضربات في الظهر “تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى”
يرى بعض الباحثين أن المحتل الروسي يسمح بتمدد فلول تنظيم الدولة حتى يبقوا عائقا في وجه الميليشيات الإيرانية، فقد ذكر النقيب المنشق “رشيد حوراني” -الباحث في المؤسسة السورية للدراسات- “أن المحتل الروسي يسمح أحيانا بتمدد تنظيم داعش في البادية السورية لضرب الميليشيات الإيرانية”.
أساليب دفاعية مشينة يتبعها الحرس الثوري
أصدر الحرس الثوري الإيراني أوامر لميليشياته بزراعة الألغام بمحيط مواقعها العسكرية ومناطق قد تبعد عنها بضعة كيلومترات، -بطريقة عشوائية- تغيب فيها الإشارات الدالة على وجود ألغام، ومن دون مراعاة أمن المدنيين، ما قلّص مساحة رعي الأغنام في تلك المناطق بعد انفجار بعض الألغام بالمواشي ومقتل عدد من رعاتها، في الوقت ذاته تستنفر الميليشيات عقب كل انفجار، وتوقف عددا من الأهالي للتحقيق معهم بأبشع الطرق، مع توجيه اتهامات بالانتماء إلى تنظيم داعش، ثم يخلى سبيلهم مقابل فدية مالية قد تصل إلى عشرة ملايين ليرة سورية عن الشخص الواحد.
أعداد قتلى عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية
شهدت البادية في الآونة الأخيرة نشاطا عسكريا ملحوظا لخلايا مجهولة استهدافت بالكمائن القوافل العسكرية للعصابات والميليشيات العابرة على الطرق البرية، إضافة إلى تنفيذ هجمات مباغتة تستهدف مواقعهما العسكرية فيها، الأمر الذي أسفر عن مقتل أو جرح أكثر من 80 عنصرا وتدمير نحو 6 سيارات عسكرية، وذكر أن زهاء 28 عملية حصلت مؤخرا بينها 3 هجمات على موقعين لميليشيا “فاطميون” وموقع للفرقة الرابعة في محيط كل من السخنة والطيبة في بادية حمص، واستخدم المهاجمون فيها أسلحة رشاشة وسيارات دفع رباعي، ما أوقع 13 قتيلا وجرح آخرين، كما نفذوا 4 هجمات على 4 مواقع عسكرية لعصابات الأسد وحزب الله العراقي بالقرب من جبل البشري جنوب غرب دير الزور والرقة، كما وقع هجومان على مستودعات عسكرية في منطقة الرصافة جنوب غرب مدينة الرقة، أسفرت هذه العمليات عن مقتل أو جرح 20 عنصرا، كما نفذت خلايا مجهولة 6 كمائن استهدفت حافلات نقل (مبيت) على الطريق الواصل بين مدينة الطبقة ومنطقة أثريا شرق حماة وطريق دير الزور والسخنة شرق حمص نتج عنها تدمير عدد من الحافلات وقتل عناصر وجرح آخرين بينهم ضباط، بالإضافة لاستهداف حافلة مبيت لعصابات الأسد بريف الرقة، قتل فيها 18 عنصرا منها، وتحدثت مصادر إعلامية أن ميليشيا “لواء القدس” هي أكثر من منيت بالخسائر هناك.
ضربات وصفت بالموجعة تتلقاها عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية، وهي دليل على أن الخلايا المجهولة هي المتحكم الفعلي في البادية السورية، والقادر على توجيه ضربات في المكان والزمان الذي تختاره.