عملية اغتيال كادت تغير تاريخ سوريا والمنطقة وتنهي حكم آل الأسد منذ سنواته الأولى لكن حرسه الشخصي أنقذه من موت محتم، ليفتح سجل حافل بالإجرام لم يغلق إلى يومنا هذا.
بطل العملية وفارسها المقدام:
المجند عبد الحميد الدامور ذو ال19 عاما من مدينة كفرنبل جنوب إدلب هو قائد هذه المحاولة وفارسها الأول وبالتنسيق مع الرائد عثمان عبد المنعم العبيدو وضابطين آخرين من مدينة حلب وآخر من مدينة حماة
الأسد ينقض على فريسته:
في الساعة 11:00 من صباح 26/6/1980 وخلال مراسم وداع المجرم حافظ الأسد رئيس النيجر “سيني كونتشي” بقصر الضيافة في حي أبو رمانة بالعاصمة دمشق، تقدم المجند عبد الحميد وألقى قنبلتين على المجرم حافظ، الأولى قام العقيد خالد الحسين بدفع أحد الحراس عليها – ما أدى إلى مقتله على الفور- والثانية ارتمى الحسين على الأسد وحماه بجسده منها، إثر ذلك أصيب الأسد بجروح في ساقه، استغل الدامور الفوضى وتوجه إلى منزل أحد أقربائه في بلدة السبينة جنوب دمشق ليمضي عدة ساعات قبل أن يتوجه برفقة شقيقه أحمد إلى الأردن، لتعلن بعدها الطليعة المقاتلة التابعة للإخوان المسلمين مسؤوليتها عن العملية وتمكنها من اختراق أكثر المناطق تحصينا.
بداية المحنة وأول الإجرام:
دخلت مواجهة عصابات الأسد مع جماعة الإخوان مرحلة جديدة كانت أولى ملامحها مجزرة سجن تدمر، يوم أمر حافظ ونفذ رفعت في الليلة التالية، إضافة لإصدار القانون رقم 49 بعد بضعة أيام من المجزرة القاضي بإعدام المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين.
الوحوش تخطط لإهراق الدماء:
ثم انطلق من مطار المزة العسكري في يوم 27\06 بطائرات الهيلوكوبتر أكثر من 200 عنصر من سرايا الدفاع من مرتبات اللواء 40 الذي يقوده “معن ناصيف” زوج ابنة رفعت ومن اللواء 138 الذي يقوده المقدم “علي ديب” إلى الهدف وهو “سجن تدمر” وصدرت الأوامر بتسهيل مهمة سرايا الدفاع وأعطيت إجازات سريعة للضباط السنة، وأجرى السجانون تفقدا للمعتقلين.
أما مجموعة اللواء (40) فاجتمعوا في سينما اللواء، حيث ألقى فيهم معين ناصيف كلمة، قال فيها: “سنقوم بهجوم على أكبر وكر للإخوان المسلمين، وهو سجن تدمر .. فمن منكم لا يريد أن يقاتل؟”، وبالطبع لم يتجرأ أحد منهم على رفع يده، ثم انتقلت المجموعة الموجودة إلى مطار المزة القديم، حيث التقت المجموعتان.
قادة المذبحة كلهم طائفيون:
كان قائد العملية المقدم سليمان مصطفى، وهو قائد أركان اللواء (138)، وكان من جملة الضباط المشاركين: الملازم أول ياسر باكير، والملازم أول منير درويش، والملازم أول رئيف عبد الله.
تنفيذ الحقد الطائفي:
أقلعت طائرات الهيلوكبتر حوالي الساعة الخامسة صباحاً، ووصلت إلى مطار تدمر قرابة الساعة السادسة، وعقد اجتماع لضباط العملية، وزعت فيه المهمات وقسمت المجموعات، ثم أعطي العناصر استراحة لمدة 45 دقيقة،
ثمّ دُعي عناصر سرايا الدفاع إلى الاجتماع؛ حيث قسموا إلى 3 مجموعات:
ـ المجموعة الأولى: وهي مكوّنة من (80) عنصراً، وكلفت بدخول السجن، وسُميت مجموعة الاقتحام
أما المجموعة الثانية: فهي مكونة من (20) عنصراً، وكُلّفت بحماية طائرات الهيلوكبتر.
والثالثة: وهم بقية العناصر، فظلت في المطار للاحتياط..
تفاصيل من سفك دماء العزل ينخلع من بشاعتها القلب:
بدأت العملية، فجمع عدد من المعتقلين في 3 باحات من ساحة السجن ثم أعطيت إشارة البدء لعناصر سرايا الدفاع فانطلق وابل من الرصاص وقنابل يدوية وقاذفات اللهب على المعتقلين العزل ليصرخ المعتقلون صرختهم الأخيرة “الله اكبر” شاكين ما يلاقونه من الظلم إلى بارئهم.
أما الجزء الآخر ففضل الجلادون قتلهم بطريقة أخرى إذ رموا عليهم القنابل في مهاجعهم ثم أجهزوا بالرصاص على من تبقى حيا منهم.
لتّوقع سرايا الدفاع على أكبر مجزرة في ذلك الحين أكثر من 1000 سجين في مجزرة رهيبة يشيب من هولها الولدان ليكافأ القتلة ب200 ليرة سورية لكل واحد منهم.
طمس معالم المذبحة الشنيعة:
ثم تولت الشرطة العسكرية إخفاء آثار المذبحة وطمس معالمها حيث دفنت الجثث في مقابر جماعية في صحراء تدمر ونظفت السجن وطلت جدرانه من جديد ليستقبل بعدها عشرات الآلاف من السوريين الذين قضى معظمهم نصف حياته بين جدرانه بينما علق النصف الآخر على مشانقه لتكون تلك المجزره مقدمة لمجازر الأسد من الأب إلى الولد.
البحث عن المنفذ والانتقام من والديه:
بعد عملية الاغتيال بساعات اقتحمت قوة تتبع لسرايا الدفاع مدججة بالسيارات والمصفحات مصحوبة بطائرات الهيلوكوبتر مدينة كفرنبل بحثا عن قائد العملية “عبد الحميد” فاعتقلت والده “رجب الدامور” ووالدته “حليمة البكور” وأخته وزوجها وزوجة أخيه أحمد ثم رمت والده ووالدته من الطائرات مقيدين في البحر – بحسب رواية الضباط الذين ساعدوا عبد الحميد في الهروب إلى الأردن-.
اكتشاف المجزرة، وردود لا جدوى منها:
بدأت تفاصيل المجزرة تتكشف في العام التالي لوقوعها، وتحديدًا بعد اعتقال السلطات الأردنية اثنين من المشاركين فيها، كانا ضمن مجموعة اتهمت بالتخطيط لاغتيال رئيس وزراء الأردن الأسبق “مضر بدران”، حيث أدليا بتفاصيل المجزرة، فسارعت في حينه منظمة العفو الدولية إلى مطالبة السلطات السورية بإجراء تحقيق في المجزرة، لكن دون جدوى. ووصفت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة -في حينه- المجزرة بأنها تتعدى حدود جرائم القتل العمد المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات السوري، إذ يعد الآمرون بها وكل منفذيها مسؤولين جنائياً عنها.
قنبلتان لو أصابتا الهدف لأراحتا السوريين من عقود من الظلم والطغيان وملايين القذائف والصواريخ التي تسببت باستشهاد أكثر من مليون شخص، وتهجير 15 مليونا آخرين، فمنذ ذلك الحين اغتصب آل الأسد الحكم، واتخذوه وسيلة لمحاربة وإقصاء كل من يفكر بالاقتراب منه، عبر سياسات شيطانية بإذكاء نار القومية والطائفية بين مكونات الشعب السوري.