دخلت الثورة السورية المرحلة المسلحة مبكرا نتيجة استخدام عصابات الأسد القوة المفرطة ضدها، واتباعها سياسة التقطيع الجغرافي وتشديد القبضة الأمنية عليها وقتئذ ما اضطر الثائرين إلى تشكيل مجموعات منفصلة متفقة على إسقاط النظام وحماية الأهالي والمتظاهرين، لكنها تختلف على أمور ثانوية نظرا لشعبية الثورة واحتوائها على ثائرين من تيارات مختلفة.
بداية توحيد السلاح
بعد أن تمكن الثوار من طرد عصابات الأسد من بعض المدن والأرياف بدأت مجموعاتهم بالاندماج مشكلة النواة الأولى للفصائل العسكرية، الأمر الذي أعطى زخما أكبر للثورة المسلحة على حساب عصابات الأسد عام 2012.
الجبهة الإسلامية أول المشاريع
في عام 2013 تمايزت الفصائل العسكرية وباتت توجهات كل منها أكثر وضوحا لكن المعركة كانت تفرض توحيد الجهود فكان أول مشروع للاندماج بينها في شهر تشرين الثاني من عام 2013 تحت مسمى “الجبهة الإسلامية” وكانت تعمل على جمع الكلمة وتنظيم الصفوف بدلا من الاتحاد الكامل، فضمت الجبهة 7 فصائل أبرزها حركة أحرار الشام ولواء التوحيد وأنصار الشام ولواء عاصفة الشمال وجيش الإسلام، وجاء في ميثاقها أنها تهدف إلى إسقاط النظام والمحافظة على الهوية الإسلامية في المجتمع وإعادة بناء سوريا.
فتمكنت الجبهة من تحرير مناطق واسعة من سوريا، وكبدت عصابات الأسد وميليشيا حزب الله خسائر فادحة في أرياف اللاذقية وحلب.
جيش الفتح قوة ضاربة أنهكت الأسد
تشكل جيش الفتح عام 2016 من 7 فصائل عسكرية عاملة في محافظات حلب وحماة وإدلب واللاذقية، وضم كلا من أحرار الشام وجبهة النصرة وفيلق الشام ولواء الحق وأجناد الشام وجيش السنة بالإضافة إلى جند الأقصى الذي خرج فيما بعد من الجيش ليحل محله الحزب الإسلامي التركستاني، فكان جيش الفتح إنجازا كبيرا وقوة ضاربة وتمكن من تحرير محافظة إدلب كاملة في وقت قياسي وأجزاء واسعة من ريف حماة، كما خاض معارك ضارية أخرى كفك الحصار عن حلب، وكبد عصابات الأسد خسائر فادحة كادت تنهيها وتجتثها ما أجبر المحتل الروسي على مساندتها بقوة.
هيئة تحرير الشام قوة وإقدام لم تتزلزل رغم التحديات
بعد انسحاب أغلب الفصائل من جيش الفتح وتأزم الوضع العسكري سعت بعض الفصائل لاندماج حقيقي يعيد التوازن العسكري للثورة السورية، فشكلت عدة فصائل أبرزها جبهة فتح الشام ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنة وحركة نور الدين الزنكي وجيش السنة بالإضافة لعدة كتائب وسرايا مستقلة جسما عسكريا جديدا تحت مسمى “هيئة تحرير الشام” وذلك في شهر كانون الثاني عام 2017 بقيادة قائد أحرار الشام سابقا “هاشم الشيخ”.
كانت تحرير الشام ندا قويا لعصابات الأسد في الكثير من المعارك رغم انسحاب عدة فصائل منها، ولا تزال وحتى الآن قائمة في الشمال المحرر، وتتوزع سيطرتها في أجزاء واسعة من محافظة إدلب وأرياف حلب واللاذقية وحماة.
محاولات فصائل شمال حلب توحيد الجهود
حاولت الفصائل العسكرية العاملة شمال حلب توحيد جهودها عبر عدة تجمعات كاندماج الجيش الوطني مع الجبهة الوطنية للتحرير عام 2019، كما تشكل الفيلق الثالث من اندماج الجبهة الشامية وجيش الإسلام وفيلق المجد ولواء السلام وفرقة الملك شاه والفرقة 51.
وشهدت أيضا مناطق شمال حلب تشكيل حركة “ثائرون” قبل نحو عام وضمت فيلق الشام ( القطاع الشمالي) وفرقة السلطان مراد والفرقة الأولى والتي تضم ( لواء الشمال- الفرقة التاسعة- اللواء 112) وفرقة المنتصر بالله وثوار الشام، وعين “فهيم عيسى” قائدا عليها بعد أن كان يقود السلطان مراد.
غرفة عمليات طارئة
بعد ارتفاع حدة المعارك وشن الحملات الشرسة على الشمال المحرر من قبل المحتلين الروسي والإيراني والميليشيات التابعة لهما بدأت المناطق المحررة تسقط تباعا فكان لزاما على الفصائل تشكيل غرفة عمليات موحدة لمواجهتها؛ فشكلت غرفة عمليات مشتركة عام 2019 ضمت هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير وجيش العزة وأحرار الشام تحت مسمى غرفة “عمليات الفتح المبين” والتي تعمل في إدلب واللاذقية وحلب وحماة، فتمكنت من صد العدوان، موقعة خسائر فادحة في صفوف المحتلين الروسي والإيراني وعصابات الأسد، وانتزعت زمام المبادرة في كثير من الأحيان كما حصل في معركة تحرير قريتي “تل ملح” و”الجبين” وما تزال الغرفة ترابط حتى اليوم على جبهات الشمال المحرر.
ها نحن اليوم وبعد أكثر من عقد على انطلاق الثورة السورية نرى أن فجوات لا تزال موجودة بين بعض الفصائل بسبب الاختلاف في الرؤى، إلا أن هناك مبادرات بين الحين والآخر للاندماج يسودها الأخذ والرد في إطار توحيد الجهود العسكرية للثورة السورية بهدف طرد المحتلين وحماية الشعب السوري.