لا شك أن وجود ميليشيا قسـ ـد على حدود تركيا كاف وحده لاستفزازها، فمنذ بداية الثورة السورية كانت تركيا تخشى من احتمال تكرار سيناريو العراق، ولذلك كانت تشدد على ضرورة حماية وحدة سوريا كما جاء في البيان الختامي لاجتماع أستانا الأخير قبل يومين.
إن التصعيد الأخير الذي بدأ بهجوم شارع “استقلال” المزدحم بمنطقة “تقسيم” في مدينة اسطنبول -أكبر مدن تركيا- جاء على هذه الخلفية، فتركيا منذ سنين تطالب الأمريكان والروس أن ينهوا دعمهم لتلك الميليشيا وسعت للحصول على الضوء الأخضر من القوتين لشن عملية عسكرية ضد الميليشيا، ومن المعلوم أنها شاركت مع الفصائل الثورية بعمليات عسكرية عدة ضد “ب ي د” خلال السنوات الأخيرة وحررت مساحات واسعة.
مقابل ذلك لم نر ردة فعل قوية من أمريكا وروسيا، عكس ما حدث في الماضي القريب فقد كانت تركيا أيضا تستعد لشن عملية عسكرية في الصيف الماضي وكان أردوغان يبشر باقتراب تطهير المنطقة من الإرهابيين حينذاك، لكن معارضة الأمريكان لها عطلت البدء بها أو أجلته؛ نتيجة لذلك يبدو أن ما يسمى “قسد” أو “ب ي د” فقدت الأمل من الدعم الأمريكي أو الروسي وتسعى لردع تركيا من خلال الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين في مناطق قريبة من حدود سوريا والمناطق المحررة في شمال السوري.
من المرجح أن موقف الروس والأمريكان سيكون مهما في تنفيذ تركيا عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، إذ كثفت من تحركها الدبلوماسي مع الدولتين فعقدت اجتماعا قبل شهرين في أنقرة مع مسؤولين رفيعي المستوى منهما، واليوم التقى وزير الدفاع “خلوصي آكار” مع السفير الأمريكي في أنقرة عقب اجتماع أستانا الذي عقد بين تركيا والمحتلين الروسي والإيراني بشأن التعامل مع الملف السوري وأكدوا رفضهم تقسيم سوريا أو شرعنة ما يسمى “الإدارة الذاتية”، بناء على ذلك يمكننا القول: إن تركيا قريبة جدا من إقناع الأمريكيين والروس بالموافقة على تنفيذها عملية عسكرية ضد ميليشيا “ب ي د” بالرغم من أننا نحتاج إلى مزيد من الوقت لنرى موقف واشنطن وموسكو بشكل أوضح.