هل تتخلى روسيا عن مواقعها في سوريا مقابل النصر في أوكرانيا
خسارة “خيرسون” وإن حاول الروس تغليفها بأنها بادرة حسن نية لتشجيع الغرب على حث الأوكرانيين على التفاوض، لكنها في الحقيقة ضربة للمحتل لكنها غير مؤلمة مع صعوبة الاستمرار في احتلالها لأن ذلك يتطلب الكثير من الجهد لتقديم الخدمات اللوجستية ولأن القوافل والإمدادات التي تعبر نهر “الدينبر” ستكون صيدا سهلا للقوات الأوكرانية ولذلك تراجعت لما بعد النهر ليصبح النهر حاجزا منيعا للتمركز خلفه من الضفة الشرقية ، ولماذا أقول إنه ليست مؤلمة تماما، لأن الروس يريدون من خيرسون أمرين: الأول الإبقاء على التواصل البري بين البر الروسي وما تم ضمه مؤخرا وجزيرة القرم، والثاني الإبقاء على التزويد المائي لجزيرة شبه القرم من قناة خيرسون لأن شبه جزيرة القرم ليس عندها اكتفاء ذاتي من الماء، ولذلك من أيام الاتحاد السوفيتي فتحوا قناة حولوا من خلالها مجرى جزءا من مجرى نهر دنيبرو وأصبحت تزود شبه جزيرة القرم بالماء، وعندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم سنة 2014، أقدمت أوكرانيا على إغلاق هذه القناة ولذلك أصبح سكان شبه جزيرة القرم يعانون من شح في الماء اللازم للشرب والزراعة.
إلى أين تسير الحرب؟ كل حرب ستنتهي إلى مفاوضات هذا لا شك فيه وبدأت إرهاصات هذا التوجه تظهر بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، فإننا سمعنا تصريحات من مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي”جاك سوليفان” ومن رئيس هيئة الأركان المشتركة “مارك ميلي” وكذلك من رئيس السي آي إيه “ويليام بيرنز”، وبالإضافة إلى الأوروبيين وهم يقولون إنه يجب أن يكون هناك حوار، طبعا هناك من قبل من المعسكر الآخر سواء كان الداعم المعنوي للجانب الروسي سواء من الصين أو من الهند أو غيرها، سمعنا أنه يجب أن تنتهي الأعمال القتالية وخاصة وأننا على أعتاب شتاء قارس والجنود سيموتون من البرد، إذن كل حرب تنتهي إلى المفاوضات، أما كيف ستنتهي هذه الحرب؟ هذا هو السؤال المربك، كيف ستنتهي؟ ما هي الشروط التي سيقدمها كل طرف لكي يتوصلوا إلى قاسم مشترك بين الطرفين؟ الحرب ستصل مهما كلف الأمر إلى نقطة المفاوضات، لا يوجد أي حرب في التاريخ استمرت إلى يومنا هذا، أما شروط وقف الأعمال القتالية وتوقيع معاهدة سلام هذا هو الأمر الذي لا نستطيع الإجابة عنه بشكل واضح في الوقت الحاضر.
الروس عنيدون جدا وبوتين من أشدهم عنادا، لذلك ب فلن يقبل حاليا بشروط أوكرانيا وأوروبا للسلام، وإنما إذا استمر الاستنزاف فربما يحصل شيء في ضمن القيادة الروسية إما أن تذهب روسيا إلى تصعيد خطير، وإما أن يستبعد بوتين من قيادة الأمور وعندها أعتقد سيكون التفاوض أسهل لأن بوتين هو من صعد على الشجرة أما الآخرون فيمكن أن يتبرؤو من هذه الشجرة.
أمريكا تريد إنهاء الحرب في أوكرانيا بسبب التضخم والشح المالي وهناك أزمة عالمية من ناحية الاقتصاد ومن ناحية الغذاء، وهذا لا يخدم مصالح أمريكا نعم ربما تكون أمريكا تسجل انتصارا معنويا، لكن في الجانب الآخر كما رأينا التضخم بلغ مستويات لم تبلغها منذ أكثر من أربعين سنة وكذلك الأمن الغذائي اختل، وكذلك الاستقرار الاستراتيجي اختل أيضا يعني هناك بوادر ومؤشرات على إمكانية حدوث اشتباك نووي، وهذا ما قاله بايدن عندما ذكر أن بوتين لا يمزح، وأعتقد أن قادة الولايات المتحدة أناس عقلاء فلا يريدون الذهاب بعيدا، ودفع روسيا إلى اتخاذ خطوات خطيرة جدا.
وفي ما يخص القضية السورية، فالملف السوري مرتبط ارتباطا وثيقا ببوتين تحديدا، فمصير بوتين ومصير الحرب عندما تنضج الظروف لتسوية كبيرة في أوكرانيا من المؤكد أن هذا سينعكس على سوريا وإذا كان من سيوقع هذه التسوية بوتين فستكون الأمور في سوريا محلولة وإذا لم تسر الأمور كما نشتهي فسيفصل الملف الأوكراني عن الملف السوري.