1- شهدنا تصعيدا ملحوظا في عمليات القصف المتبادل بين ميليشيات إيران والولايات المتحدة الأمريكية … ما أسبابه؟
إن عدم رغبة إيران وجديتها في الالتزام الكامل بمسار الملف التفاوضي على الصعيد “النووي” انعكس على المسار “العسكري” إذ أقدمت ميليشياتها الموجودة في محافظة بابل العراقية على استهداف قاعدة “التنف” التي تتمركز فيها القوات الأمريكية وقوات مغاوير الثورة بمسيرات هجومية أسقطت في حينها لكن هذا التصعيد يعد خطيرا من حيث استخدام الجغرافيا العراقية ونوعية المسيرات التي قطعت مسافة لا تقل عن 550 كم ووصول تلك التكنولوجيا إلى سوريا سيشكل أعباء جديدة على الولايات المتحدة وحلفائها وأعتقد أن إيران ستلجأ في معادلتها العسكرية الجديدة إلى فتح النار من عدة جبهات تخضع لنفوذها.
2- هل تتحول سوريا إلى ساحة مواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؟
نعم لا شك بأن الساحة السورية تعد الخاصرة الرخوة التي تتعدد فيها مناطق النفوذ الدولية وماهية المنطقة الراهنة لم تحدد بعد، لذلك هذه البيئة تساعد في تمرير الرسائل والتهديدات المتبادلة ما بين الخصوم لكن المتضرر الوحيد من تلك الفوضى الناجمة عن الردود المتبادلة هي الجغرافيا السورية والإنسان السوري، فإيران لديها القدرة على المناورة الكبيرة من خلال تفعيل مصداتها الأمنية المتقدمة في سوريا دون الحاجة إلى تحركات عسكرية كبيرة ترصدها طائرات الاستطلاع الأمريكية والإسرائيلية.
3- هل الخلاف بين إيران والولايات المتحدة حقيقي أم هو مجرد ادعاء؟
الناظم الحقيقي للتوافق أو الخلاف الأمريكي الإيراني هو المصالح الإستراتيجية وما عدا ذلك تفاصيل تكتيكية تتفاعل معها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وفقا لحاجة الخصوم فلا يمكننا القول إن هنالك توافقا ونحن نشاهد كيف صفي زعيم ميليشيا فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني” في عملية البرق الأزرق بمطار بغداد الدولي، وكذلك ترك الولايات المتحدة الباب مفتوحا أمام إسرائيل في استهدافاتها الأخيرة لقادة كبار في الحرس الثوري الإيراني وعلماء في البرنامج النووي والمسيرات والصواريخ الباليستية وكان باكورة الاستهدافات تصفية الخبير النووي “محسن فخري زاردة” الذي اغتيل بطريقة ذكية جدا وذلك من خلال إنزال روبوت عبر مسيرة وتم التحكم به عن بعد وأطلق رصاصات متتالية على موكب زادة وتم تأكيد مقتله ومن ثم أغارت ذات المسيرة على الروبوت المستخدم من أجل عدم الاستفادة منه وتفكيكه وصناعة روبوتات مشابهة قد تستخدمها طهران في مواجهة خصومها في منطقة الشرق الأوسط.
4- إذا كان الخلاف حقيقيا فلماذا سُمح لإيران بمد أذرعها في المنطقة؟
أعتقد بأن الإستراتيجية الأمريكية في هذه الحالة هي استثمار استنزاف الخصوم فعندما غاصت إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، شكل الأمريكيون تحالفات دولية لمحاربتها وبعدها ستفرض عليها الرؤية الأمريكية في المسارات المتعثرة “النووي والباليستي والمسيرات” فمهما حاولت إيران المراوغة في الملف التفاوضي النووي فإنها لن تستطيع التنصل من التعهدات المبرمة ما قبل الانسحاب الأمريكي في عام 2015 لكن تعديل وتحسين شروط التفاوض حتما بالنهاية لن يخدم الموقف الإيراني خاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقتها سواء على صعيد الحرب السيبرانية أو حتى من خلال المسارات الجديدة والتي بموجبها بدأت بحرب الظل بالإنابة وصولا إلى نقل الحرب الاستخباراتية إلى العمق الإيراني وذلك بعد أن أقدم جهاز الموساد على اعتقال قيادي في الحرس الثوري الإيراني والتحقيق معه وتركه ومن ثم حالة التخبط الكبير التي رافقت العملية الأمنية فلجأت طهران إلى إقالة العديد من قيادات الصف الأول في الحرس الثوري إضافة إلى العقوبات التي صدرت بحقه وما رافقها من اضمحلال في الإنفاق العسكري على الأذرع الولائية المساندة لها في الشرق الأوسط مما أجبرها إلى توسيع نطاق استثمارها باقتصاد الظل من خلال توسيع عمليات تهريب المخدرات باتجاه منطقة الخليج العربي واستثمار عوائد المخدرات من الدولار لتنشيط تحركات تلك الأذرع في استهدافها المصالح الأمريكية في سوريا.
5- ما نتائج هذا التصعيد على المديين القريب والبعيد؟
أرى بأن النتائج المحتملة على المدى القريب تأتي في سياق تنفيذ السياسة الأمريكية التي اعتمدتها منذ دخولها إلى سوريا والمسماة “جز العشب” والتي من خلالها تستهدف فائض القوة الإيرانية، إضافة إلى شحنات الأسلحة التكتيكية ومحركات الصواريخ الباليستية بالتزامن مع استهداف منظومات الدفاع الجوي قصيرة أو متوسطة المدى لعصابات الأسد من طرازات “بوك” و”بيتشورا إم 2″ ففي غاراته الأخيرة استهدف سلاح الجو الإسرائيلي المستودعات الإيرانية عبر صواريخ جو جو بعيدة المدى من طراز دليلة (Delilah) والتي يبلغ مداها 250 كم وبهذا لن تؤثر منظومات الدفاع الجوي لعصابات الأسد بل ستتعرض هي أيضا إلى مزيد من الاستنزاف مما يتيح في المستقبل القريب للجانب الإسرائيلي استخدام وسائط ولوج جديدة لمجابهة انتشار إيران في سوريا.
أما على المدى البعيد فستخرج سوريا مدمرة ليس بمقدورها كبح جماح التغول الإيراني، وستسيطر إيران على ما تبقى منها، والمتضرر الوحيد هم السوريون الذين يقبعون في مناطق سيطرة عصابات الأسد وسينتقل نظام حكمهم الشكلي من الإدارة الأسدية إلى الإدارة الإيرانية وهذا سيتيح لسلاح الجو الإسرائيلي والأمريكي تنفيذ المزيد من الضربات.