في الـ24 من شباط عام 2022 بدأت روسيا غزوا عسكريا واسعا لأوكرانيا، وبذلك استأنفت جرائمها بعدما فعلته في أفغانستان والشيشان وسوريا، فشنت هجمات عشوائية بمختلف أنواع الأسلحة تسببت بمقتل وإصابة آلاف المدنيين بينهم نساء وأطفال، وألحقت دمارا بالقرى والمدن بما فيها من مستشفيات ومدارس ومنازل، وأدت إلى تهجير الملايين من الأوكرانيين داخليا وخارجيا نحو دول أوروبا، كما اعتقلت تعسفيا آلاف المتظاهرين الروس المناهضين للحرب خلال الأسبوع الأول من الغزو.
أينما حلت روسيا حل الدمار والخراب
حاولت روسيا السيطرة على أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، ورغم فشلها في تحقيق هدفها إلا أنها خلفت دمارا وخرابا وأكثر من مليون قتيل من المدنيين، ونحو ثلاثة ملايين جريح ومعاق وضعفهم من المهجرين، أما في الشيشان فسياسة الأرض المحروقة كانت كافية بمسح العاصمة الشيشانية غروزني عن وجه الأرض بالإضافة إلى عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ومئات المقابر الجماعية، وفي سوريا لا يزال الإجرام الروسي مستمرا والدم السوري لم يجف بعد، فأينما حلت روسيا ترى الدمار والخراب والدماء.
أوكرانيا .. فصل جديد من الإجرام الروسي
بلغ عدد القتلى الموثقين من المدنيين الأوكران بحسب ما أعلنت عنه السلطات الأوكرانية أكثر من 4600 شخص بينهم 232 طفلا، جراء الهجمات الروسية المتواصلة منذ 24 فبراير/شباط الماضي، ومن المرجح أن تكون الخسائر الحقيقية أعلى بكثير بسبب صعوبة توثيق الحالات في المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية.
مجزرة بوتشا مثال صارخ…
استفاق العالم على مناظر مروعة لجثث مكبلة ومعصوبة الأعين تناثرت في طرقات مدينة بوتشا الأوكرانية بعد انسحاب القوات الروسية منها، ومقابر جماعية دفن فيها العشرات، إضافة إلى شهادات بوقوع عمليات اغتصاب نساء وقتل أطفال.
ورغم تعود العالم على مناظر جثث السوريين وأشلائهم بسبب الغارات الجوية والقصف المدفعي لعصابات الأسد والقوات الروسية والميليشيات الإيرانية على القرى والبلدات السورية التي خرجت عن سيطرتهم، إلا أن الصور والمقاطع المصورة التي بثت من مجزرة بوتشا أعادت للعالم ومن بينهم السوريين الآلام والحزن والقهر.
روسيا .. إمبراطورية الكذب
ينطبق على إعلام روسيا الموجه وصف “إمبراطورية الكذب”، حيث أنها ترتكب الجرائم الفظيعة أينما حلت ولكنها تنكر ذلك رغم التوثيق والشهادات، وهذا دأبها في جميع حروبها، فنفت علاقتها بما وقع في أوكرانيا وعلى رأسها مجزرة بوتشا، إلا أن صور الأقمار الصناعية دحضت المزاعم الروسية بأن مجزرة بوتشا “مفبركة”، فأظهرت مقتل العديد من المدنيين في شوارع المدينة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، عندما كان الجيش الروسي يسيطر عليها.
الكذب الروسي يعيد إلى أذهاننا الجرائم التي ترتكبها في سوريا ثم تتهم بكل وقاحة وفي مشهد مقزز الضحية بارتكاب الجريمة على نفسها، حيث كانت تزعم أن الثوار والدفاع المدني هم من يرتكبون المجازر بحق أهلهم وأقاربهم من أجل الدعاية وكسب التعاطف الدولي!.
وحشية الجيش الروسي وسياسة الأرض المحروقة
اعتمد الجيش الروسي بعد فشل خطة الحرب الخاطفة التي اعتمدها أول غزوه لأوكرانيا سياسة الأرض المحروقة، التي تعمد إلى تدمير المنازل والمنشآت والبنية التحتية قبل السيطرة على المنطقة، فتعرضت مدينة إزيوم شرق أوكرانيا لهجوم وحشي بالطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة ما أدى إلى تسوية المدينة بالأرض بالإضافة إلى تدمير محطات ضخ المياه ومحطة الكهرباء المحلية وخطوط الغاز والإضرار بشبكات الاتصالات الهاتفية.
كما تعرضت مدينة إزيوم بعد السيطرة الروسية عليها للنهب الجماعي -ما يعيد للأذهان التعفيش الذي تقوم به عصابات الأسد بعد السيطرة على مناطق جديدة- وتعرض سكانها للترحيل القسري على أيدي القوات الروسية بالإضافة للإخفاء القسري لعدد من النشطاء وقادة المجتمع.
لا يخفى على أحد حجم التباين والتناقض والكيل بمكيالين في طريقة تعاطي الدول مع الحرب الأوكرانية والجرائم التي ترتكب فيها والحرب السورية رغم أن المجرم واحد والسلاح واحد والضحية واحدة، إلا أن أحدا لم يتمكن من محاسبة الروس على جرائمهم حتى اليوم مما يضع تساؤلات عن أطروحات مجلس الأمن والمجتمع الدولي التي تدافع عن حقوق الإنسان, فروسيا عضو يملك حق النقض في مجلس الأمن، فكيف يكون القاضي هو الجلاد نفسه؟ وكيف تستوي الضحية مع الجلاد؟!.