فرضت أمريكا والاتحاد الأوروبي عقوبات قتصادية على روسيا لمنعها من متابعة حربها التي بدأتها على أوكرانيا، واستهدفت هذه العقوبات البنك المركزي الروسي وتجميد أصوله وصندوق الثروة السيادي وتجميد الأصول في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإغلاق المجال الجوي أمام شركات الطيران الروسية ومنع عدد من البنوك الروسية من التعامل بنظام التحويل البنكي “سويفت” ومنع الصادرات إلى روسيا مثل قطع غيار الطائرات وأشباه الموصلات وتعليق الشحن البحري من روسيا وإليها.
كما أوقفت ألمانيا خط نورد ستريم 2 المخصص لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، كما شملت العقوبات 64 مؤسسة روسية مهمة بما في ذلك مؤسسات عامة مثل الرئاسة الروسية ووزارة الدفاع والشركات العاملة في النقل والطاقة والتمويل وتهدف هذه العقوبات إلى إجبار روسيا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ووقف الأعمال العسكرية, وبالرغم من أن العقوبات غير مسبوقة في شدتها وتطال معظم مفاصل الاقتصاد الروسي إلا أن روسيا حتى هذه اللحظة غير مكترثة بها.
وفي حال استمرار التجاهل الروسي لأثر هذه العقوبات فمن المتوقع زيادة عزلة روسيا عن العالم وفي عالم اليوم لا يمكن لدولة مهما كانت كبيرة وقوية أن تؤمن كافة احتياجاتها بنفسها وتستغني عن الدول الأخرى مما يعني أن معاناة الشعب الروسي ستزداد مع مرور الوقت ولن تتأثر بنية النظام الروسي لأن التجارب أثبتت أن العقوبات الاقتصادية لا تسقط الأنظمة الديكتاتورية إنما تأثيرها الأكبر يكون على الشعب, فالعقوبات على العراق في عام 1990 لم تسقط نظام صدام حسين ولا حتى قانون قيصر لم يسقط نظام الأسد المجرم
فإذا كانت ردة فعل القيادة الروسية هي تجاهل العقوبات فإن الشعب الروسي والمقيمين في روسيا سيدفعون الثمن المتمثل في التضخم وارتفاع الأسعار وصعوبة إنجاز الأعمال وتوقف الحركة التجارية مع الدول الأخرى وتوقف بعض الاستثمارات نتيجة عدم توفر المواد الأولية أو قطع التبديل وغياب بعض السلع عن الأسواق وانسحاب الشركات الأجنبية المستثمرة في روسيا.
إذ أن شركة برتيش بتروليوم النفطية البريطانية انسحبت من اتفاقياتها مع الشركات الروسية كما ألغت شركة شل استثمارات الطاقة في روسيا البالغة 3 مليار دولار وأعلنت شركة توتال الفرنسية أنها لن تستثمر في مشاريع جديدة في روسيا، وغيرها الكثير من الشركات الأجنبية الأخرى, والتأثير الأهم المتوقع لهذه العقوبات هو زيادة الضغط الشعبي على القيادة الروسية وإن العقوبات أدت أيضا إلى انخفاض حاد في سوق الأوراق المالية الروسية وفقدت أسهم الشركات جزءا كبيرا من قيمتها السوقية.
استجابة القيادة الروسية للعقوبات تعتمد على رؤية أثرها على أرض الواقع, وربما تنجح العقوبات الاقتصادية في وقف الحرب في حال عدم الاستعداد الروسي للتصدي لها وعدم وجود بديل للتهرب منها, وكما نعلم فروسيا دولة واسعة ولها حدود مشتركة مع 14 دولة أخرى ولها شركاء كبار مثل الصين, وهذا يمنحها القدرة على امتصاص جزء من العقوبات والتحايل عليها, فكلما زاد أثر العقوبات على كافة مفاصل الحياة في روسيا كلما زاد احتمال رضوخ القيادة الروسية ووقف الحرب, ويمكن الصياغة بطريقة أخرى بأن ما يحدث الآن هو مفاضلة بين الأمن القومي والأمن الاقتصادي لروسيا, فإذا رجحت روسيا أمنها القومي فإنها لن تكترث بالعقوبات وسوف تستمر في غزوها لأوكرانيا, أما إذا رجحت كفة الأمن الاقتصادي فإنها ستوقف أعمالها العسكرية وتتدارك سيناريو التضخم والركود الاقتصادي, أما سيناريو تقسيم روسيا فهو مستبعد نتيجة امتلاك روسيا للسلاح النووي وهي ثاني أكبر قوة عسكرية عالمياً.