تتحول الميزات أحيانا إلى كوارث حقيقة، فلم أكن أعلم أن طريق” M5″ الذي يمر من مدينتي “مورك” سيكون يوما ما وبالا عليها وسببا في أطماع الغزاة فيها، إذ أصبحت المدينة مسرحا لمعارك الكر والفر بين عامي ألفين واثني عشر وألفين وأربعة عشر، شهدت فيها معارك ضارية خاصة وأنها تعد بوابة مدينة حماة الإستراتيجية في الوسط السوري.
في اليوم الأول من الشهر الثاني عام 2014 وتحديدا في يوم الجمعة، كانت الأجواء مشحونة بالتوتر والأخبار تحوم حول معركة مرتقبة لتحرير المدينة من الحواجز المحيطة فيها، كنت حينها حاضرا لخطبة الجمعة التي لم تدم لأكثر من دقائق معدودة ليضطر الخطيب إنهاء الخطبة والصلاة على عجالة، بعد أن بدأت أصوات البراميل المتفجرة تدوي في أرجاء المدينة التي كانت محررة من الداخل بينما يحيط بها نظام الأسد آنذاك من كل جانب.
بدأت المعركة حينها نهاية الشتاء، مبشرة بربيع أخضر سيزهر فوق تل المدينة من جديد، كانت الفصائل الثورية حينها تتبع تكتيكا عسكريا مميزا، إذ كانت تترك المجال لعصابات الأسد بالدخول حتى وسط المدينة، ومن ثم تنقض عليه، وسط كمين محكم، استطاعت الفصائل تكبيد العدو خسائر فادحة في العدة والعتاد بتلك الخطة.
وما زلت أذكر جيدا ما فعله حينها رماة مضاد الدروع بآليات ودبابات عصابات الأسد، إذ دمر وأعطب أكثر من 150 آلية ودبابة في غضون أشهر من بداية المعركة، كما كانت محرقة لعصابات الأسد حتى أن عناصر الأسد كانوا يخشون الذهاب لجبهات مورك بعد أن هلك على أسوارها مئات المرتزقة والآليات، حتى سميت مورك بمقبرة الدبابات، أذكر حينها أيضا كيف كانت أصوات القذائف لا تنتهي، واعتراض الإمدادات العسكرية يتم باستمرار من قبل الثوار، إذ أن عصابات الأسد كانت تمد عناصرها في حواجز خان شيخون ومعسكر الخزانات عن طريق مورك.
خلال تلك الأشهر القليلة شاهدت تضحيات كثيرة للأهالي، عندما كانوا يؤمنون الطعام واللباس للمرابطين، ويساعدون في حفر الأنفاق وتدشيم المدينة، رغم ما أصابهم، فلم يبق بيت في القرية إلا ودمر جزئيا أو كليا من شدة القصف، ففي أحد أيام رمضان المبارك، بدأت عصابات الأسد بالتمهيد المكثف منذ أذان الفجر حتى أذان المغرب دون أن تحرز أي تقدم على الأرض.
حتى أجبرت أمام ذلك الصمود وضربات الأبطال المتتالية على الانسحاب من الحواجز المحيطة بالبلدة عام 2014، وكان حينها نصرا كبيرا للقرية ولأهلها رغم عدم رجوعهم للقرية بسبب دمارها.
نعم انكسرت عصابات الأسد في ذلك اليوم ولم تستطع الرجوع إلا بعد أن استعانت بالمحتل الروسي، الذي دخل بكل قوته في الحملة الأخيرة لتعود المدبنة من جديد إلى الاحتلال الغاشم، ومن شدة حقدهم حفروا الطرقات واستخرجوا شبكات الهاتف، وحطموا الجدران والسقوف، وما سلم من قذائفهم لم يسلم من جرافاتهم، لتبقى أطلال القرية شاهدة على مغول القرن الحادي والعشرين، ولنا عودة بإذن الله.