شاب في الثلاثينيات لم يجد فرصة ليتزوج لكن أتيح له أن يستنشق عبير الحرية، وكان ينتظر أن يستقر الوضع حتى يؤسس أسرة كحال أخويه ورفاقه هكذا كان يقول، إلا أن بطش المحتل والمعارك الضارية لم تعطه الفرصة ليفكر بذلك ناهيك عن تنفيذه.
كأن قصة حسان ضرب من الخيال فهو ذاته لم يصدق أنه وصل إلى هذه المرحلة في حياته، إذ بدأت قصته عندما كان في بلدته بريف درعا وهي إحدى البلدات الثائرة ضد الأسد، يقول: لم أكن أتصور يوما أن نخسر كل هذه المناطق بل كنا مؤمنين أننا لن نتزعزع أمام جبروت العدو وغطرسته، ففوجئنا بما حصل بل وذهلنا …؟
يقول حسان: إني أعد نفسي بطلا وفي كل يوم أتصرف على هذا النحو فعندما حصل الاتفاق في بلدتي وكان علينا أن نخضع لعصابات الأسد أو نُهجر إلى الشمال رفضت الخيارين فلم أرض الخروج من أرض أجدادي ولم أرض أن أضع يدي بيد القاتل الذي قتل أهلي، فكان خيارا صعبا حينها أحسست أنني أقف أمام العالم كله، لم يتسلل الضعف إلى قلبي ليس لأني قوي، ربما لأني كنت أعلم أني على حق هكذا كنت أبرر تلك القوة التي أمتلكها..
خرج رفاقي الثائرون إلى الشمال المحرر وكان يوما أسود عندما عادت الأرض إلى حكم الجور والطغيان بعد أن تنفست الحرية، أحسست حينها أن الأعشاب الخضراء اسودت وأن الديار خلت من روح كانت تتألق، فكل شيء بدا قاتما بلا لون ولا روح ولا حياة…
يتابع حسان قصته وفي عينينه شيء من الدمع والحسرة: كان والداي يخافان فمن حين إلى آخر كنت أضطر إلى الخروج من البيت نتيجة الحملات الأمنية التي تبحث عن شباب لتجنديهم في الحرب، وكنت أسمع الناس يتحدثون عن الذين تعتقلهم عصابات الأسد بشفقة وحسرة، كأنهم سيقوا إلى الموت المحتم، وبدأت الأوضاع تسوء يوما بعد يوم، والظروف المعيشية أضحت جحيما، والأصعب من ذلك كله هو الوضع الأمني ومعاملة عصابات الأسد للناس، كل تلك الظروف دفعتني لأن أفكر بالخروج نحو الشمال المحرر لكن كيف؟
بعد رحلة بحث تمكنت من الوصول إلى شخص استطاع أن يخرجني من المنطقة نحو الشمال المحرر، لم يكن الطريق سالكا بتلك السهولة 5 أيام تعادل سنين القصف والتهجير والإجرام فتعرضت فيها لأخطار شتى إلا أنني كنت أحد الناجين من مذابح الأسد، خرجت مرة أخرى من مناطق سيطرة الأسد لأستنشق عبير الحرية والكرامة.
الغريب في الأمر عند وصولي إلى المناطق المحررة ظننت أني دخلت دولة أخرى فكل شيء بدا مختلفا، كانت عجلة الحياة تدور بشكل سريع، رأيت الخبز والخضار والفواكه في كل مكان، ومحطات الوقود لا تكتظ برجال كالحي الوجوه، لم أر الناس حيارى بأي وسيلة يتنقلون بل شاهدت كما هائلا من السيارات، كان هناك ازدحام شديد والناس منشغلون بأعمالهم، كنت أعتقد أن الشمال المحرر أشبه بالجحيم إلا أنني أيقنت حينها أنه من بقي في مناطق الأسد يعيش جحيما، توجهت إلى أقرباء لي كانوا في مدينة إدلب لم أنتظر طويلا حتى تمكنت من إيجاد منزل أسكن فيه، ولم أتردد في الانضمام إلى الفصائل العسكرية.
إنني أحمل بندقيتي وأعيش حرا، وأتطلع للمشاركة في تحرير بلادي عاهدت نفسي ألا أترك سلاحي حتى تحرير آخر شبر من أرضي، كما أنني فخور لأني لم أستسلم وسعيد لأني استطعت النجاة من الإحباط واليأس فكلي أمل وتفاؤل بالنصر القادم يقينا -إن شاء الله-.