في ظلّ التضييق الكبير على مصادر المعلومات، والخنق المقصود لوسائل الإعلام، وتكريس بديلٍ إعلاميٍّ عنها أقل موثوقية ومهنية “كالفيسبوك والتويتر”، ومع الاستخدام المفرط للعنف من قبل عصابات الأسد، وما يسببه ذلك من استثارة للعواطف، وتغليب للغريزة على العقل، وللرغبة على المنطق؛ تنشأ أرضية ممهدة تماماً، ووضع مثالي لبثّ الإشاعات وانتشارها وتداولها على أوسع نطاق بين العامة، وتعد هذه العصابات من أكثر الأمثلة الحية إتقاناً وتفنناً في استخدام هذه الوسيلة لإحكام سيطرتها على المجتمع.
استغلال عصابات الأسد للإشاعة منذ وجوده
يعود تاريخ رأس هذه العصابة مع الإشاعات إلى بداية ظهور حزب البعث، كلاعبٍ سياسيٍّ، لا سيما بعد ال8 من آذار عام “1963”، فالحزب الذي تآمر على دولة الوحدة هو من اتخذ الوحدة أول هدف في شعاره، ومن سجن وقتل آلاف المطالبين بـ”الحرية” ثاني أهدافه، وأنشأ منظومة فساد ولصوصية، “سرق فيها قلةٌ أموال الكثرة”، وكانت الاشتراكية هدفه الثالث في شعاره الأممي الإنساني الكبير.
أهداف عصابات الأسد من بث الشائعات وطرق نشرها
برعت عصابات الأسد بتطويع الإشاعة لخدمة سلطتها، ولتثبيت حكم آل الأسد على السلطة، ولتغيير وجهة نظر السوريين القديمة المتجددة عن إجرام هذه العصابة، وما فعلته منذ عقود بحق السوريين، ومنحت الضوء الأخضر لإعلاميين لم يكن أغلبهم معروفا بالنسبة للشارع قبل الثورة، فقادوا عمليات نشر الإشاعة والإشاعة المضادة وأداروا جدالات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعملت العصابات طيلة عقود على تفخيخ المجتمع من الداخل عبر منع تقارب مكوناته، واعتمدت مخابراتها في عهد المجرم الابن “بشار الأسد” في نشر الإشاعات على دس المخبرين في صفوف الشعب السوري، في المدارس والجامعات والمقاهي وفي كل مكان، واستخدمت إعلامها كركيزة أساسية لبث الشائعات فيما يخدم مصالحها.
استخدام عصابات الأسد للشائعات بداية الثورة السورية
عمدت عصابات الأسد على تسمية المتظاهرين في بداية الثورة، ب”مندسين” وأدعت أنهم فئة قليلة لا يمثلون الشعب بل “اندسوا” ضمن طبقات الشعب ليثيروا الفتن والبلبلة ويهيجوا الناس ويدفعونهم للقيام بأعمال ضد الدولة، وبعد خروج معظم السوريين في مظاهرات، أطلق عليهم مسمى “الجراثيم” وهي مرحلة متقدمة عن مرحلة الاندساس حيث اعترف المجرم “بشار” أنهم أبناء الشعب لكنهم برأيه الفئة التي تحتاج إلى تطهير منه، وكان هو أول من استخدمها في أحد كلماته، ثم لما توسعت الثورة وازداد زخمها وعرفت العصابات أن كلمتي “مندسين وجراثيم” لا تتناسب مع الحدث وأنّ ما يحصل خارج عن إطار تبريرها وتفسيرها للأمور أطلقت كلمة “مؤامرة كونية على نظام الحكم”، للدلالة على أن كل من في الدنيا مجتمعون لإسقاط هذا النظام ومتآمرون عليه.
بث الشائعات في صفوف العلويين وحول مناطق المصالحات
أوّل الإشاعات التي بدأت عصابات الأسد بإطلاقها هي وسم الانتفاضة بأنها “سنية”، بهدف تحييد الأقليات مع التركيز الواضح على الأقلية العلوية، فركزت على شد عصب الطائفة كلياً باتجاهها، لأخذ تفكيرها إلى أن هذه الثورة تستهدف وجود العلويين بحد ذاته، واتجهت نحو الطوائف الأخرى خاصة المسيحيين والدروز، وعملت في البداية على ضخ شائعات مكثّفة بأن ما يحصل في سوريا هو أمر بين السنة والعلويين و ليس للآخرين علاقة به.
كما عملت عصابات الأسد أيضاً على نشر شائعات عن مناطق المصالحات على أنها آمنة ومناسبة لعودة النازحين السوريين، دون التطرق إلى أنها المسبب الرئيسي لنزوح ملايين السوريين، وركزت كل جهودها ومساعيها على عقد مؤتمرات وندوات لمحاولة إقناع المجتمع الدولي بأن مناطق المصالحات نماذج مثالية تنفذ في كل أنحاء سوريا، كما تزعم أنها ستؤدي إلى الاستقرار والاستعداد لعودة النازحين، وهي ورقة تستخدمها لتشجيع التطبيع مع العصابات وبدء إعادة الإعمار.
قلب الحقائق رأساً على عقب…
عودةً إلى موقع الإشاعة من حدث “الثورة السورية” بالتحديد، فلقد صنّفتُ أنواع الإشاعات التي سمعناها ولا نزال نسمعها منذ انطلاقة الثورة وحتى اليوم، إلى عدة أنواع، بحسب الهدف الذي تنشده مخابرات عصابات الأسد وإعلامه وأدواته من كل منها، كما أن الإشاعات ليست فقط تلك المنقولة مشافهة، بل إن كثيراً منها يبثّ بالتزامن مع مواكبة إعلامية كبيرة من “صحف وتلفزيون وإذاعات وانترنت”، تتعاون معاً لنشر ذات الشائعة المراد بثّها.
من الضرورة بمكان أن يتمتع كلّ سوري باليقظة والفطنة، وأن يتحرّى الدقة في تصديق ما يسمع أو تبنيه، فمصادر المعلومات أضحت كثيرة، ومتشعّبة، ومتنوعة، ومن الواجب أن يبحث دوماً عن مصدر المعلومة، وأن يترصّدها من المنابر الإعلامية المهنيّة، أو الأشخاص الثقاة.